من اروع قصائد المتنبى
واحـر قلــــباه ممــن قلبــه شبــم **** ومن بجسمـي وحـالي عنده سقـم
مـــا لـي أكتم حبا قد برى جسدي **** وتدعي حب سيف الدولة الأمم
إن كــــان يجمعــنا حب لغرتــه **** فليت أنا بقدر الحــــب نقتســـم
قد زرته و سيوف الهند مغمـــدة **** وقد نظرت إليه و السيـوف دم
فكان أحسن خلــــق الله كلهـــم **** وكـان أحسن مافي الأحسن الشيم
فوت العــدو الذي يممـــته ظفر **** في طــيه أسف في طـــيه نعــــم
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت **** لك المهابــــــة مالا تصنع البهم
ألزمت نفسك شيــــئا ليس يلزمها ****أن لا يواريـهم بحر و لا علم
أكلــما رمت جــيشا فانثنى هربا **** تصرفت بك في آثاره الهمــم
عليك هــــزمهم في كل معتـرك **** و ما عليــك بهم عار إذا انهزموا
أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفر**** تصافحت فيه بيض الهندو اللمم
يا أعدل الناس إلا في معــاملتي **** فيك الخصام و أنت الخصم والحكم
أعيذها نظـــرات منك صادقـــة **** أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع اخي الدنيا بناظـــره ****إذا استـــوت عنده الأنوار و الظلم
سيعلـم الجمع ممن ضم مجلسنا **** باننــي خير من تسعى به قـــــدم
انا الذي نظر العمى إلى ادبــي **** و أسمعـت كلماتي من به صمــم
انام ملء جفوني عن شواردها **** ويسهر الخلق جراها و يختصم
و جـــاهل مده في جهله ضحكي **** حتى اتتــــه يــد فراســة و فم
إذا رايـــت نيوب الليــث بارزة **** فلا تظنـــن ان الليــث يبتســم
و مهجـة مهجتي من هم صاحبها **** أدركتـــه بجواد ظهره حـــرم
رجلاه في الركض رجل و اليدان يد **** وفعلـــه ماتريد الكف والقدم
ومرهف سرت بين الجحفليـــن به **** حتى ضربت و موج الموت يلتطم
الخيل والليل والبيــداء تعرفنــــي **** والسيف والرمح والقرطاس و القلم
صحبـت في الفلوات الوحش منفردا ****حتى تعجـــب مني القور و الأكــم
يــــا من يعز عليـــنا ان نفارقهـــم **** وجداننـا كل شيء بعدكم عــدم
مــا كان أخلقــنا منكم بتكـــرمة **** لـو ان أمــركم من أمرنـا أمــم
إن كــان سركـم ما قال حاسدنا **** فما لجـــرح إذا أرضاكـــم ألــم
و بينــنا لو رعيتم ذاك معرفــة **** غن المعـارف في اهل النهـى ذمم
كم تطلبـــون لنا عيبـا فيعجزكم **** و يكره الله ما تأتون والكــرم
ما أبعد العيب و النقصان عن شرفي **** أنا الثـــريا و ذان الشيب و الهرم
ليـت الغمام الذي عندي صواعقه **** يزيلهـن إلى من عنـده الديــم
أرى النوى تقتضينني كل مرحلة **** لا تستقـل بها الوخادة الرسـم
لئن تركـن ضميرا عن ميامننا **** ليحدثن لمـن ودعتهــم نـدم
إذا ترحلت عن قـوم و قد قـدروا **** أن لا تفارقهم فالـراحلون هــم
شــر البلاد مكان لا صــديق بــه **** و شر ما يكسب الإنسان ما يصم
و شـر ما قنصته راحتي قنص **** شبه البزاة سواء فيه و الرخم
بأي لفظ تقـول الشعــر زعنفة **** تجـوز عندك لا عــرب ولا عجم
هذا عـتابـك إلا أنـه مقـت **** قـد ضمـن الدر إلا أنه كلم
**الشرح**
مناسبة القصيدة : واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ
كان سيف الدولة إذا تأخر عنه مدحه شق عليه وأكثر من أذاه، وأحضر من لا خير فيه، وتقدم إليه بالتعريض له في مجلسه بما لا يحب، فلا يجيب أبو الطيب أحداً عن شيء، فيزيد بذلك في غيظ سيف الدولة. ويتمادى أبو الطيب في ترك قول الشعر، ويلح سيف الدولة فيما يستعمله من هذا القبيح. وزاد الأمر على أبي الطيب، وأكثر عليه مرة بعد أخرى، فقال أبو الطيب وأنشده هذه القصيدة في محفل من العرب والعجم.
واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: قال ابن جني قلباه فيه قبح في الإعراب، لأن هذه الهاء لا تثبت في الوصل، ألا أن الكوفيين ينشدون بيتاً وهو، يا مرحباه بحمار ناجية، وآخر يا رب رباه إياك أسأل، وآخر، وقد رابني قولها يا هناه ويحك ألحفت شراً بشر. والبصريون لا يلتفتون إلى شيء من هذا فقالوا في هناه الهاء من الواو في هنوك وهنوات فهي بدل من لام الفعل فلذلك جاز ضمها وقال أبو زيد في مرحباه أنه شبهها بحرف الإعراب فضمها، وإذ قد جاز قلباه فالوجه كسر الهاء لالتقاء الساكنين أو فتحها لذلك أيضاً ولمجاورتها الألف وليس للضم وجه والمعنى أن قلبي حار من حبه وقلبه بارد من حبي وأنا عنده مختل الحال معتل الجسم أي اعتقاده فاسد فيّ.
مالي أُكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: أي إذا كان الناس يدّعون حبه فلم أخفيه أنا. والمعنى أن العادة في حبه أن يظهر ولا يضم فلم أعين على نفسي بكتمانه.
إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول أن تحصلت في حبه الشركة فحظي أوفر فليتنا نقتسم فواضله وعطاياه بقدر الحب لأكون أوفر نصيباً من غيري.
قَد زُرتُهُ وَسُيوفُ الهِندِ مُغمَدَتٌ وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسُيوفُ دَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: يريد أنه خدمه في حالي السلم والحرب.
فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ وَكانَ أَحسَنَ مافي الأَحسَنِ الشِيَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: أي كان في الحالين أحسن الخلق وكانت أخلاقه أحسن ما فيه.
فَوتُ العَدُوِّ الَّذي يَمَّمتَهُ ظَفَرٌ في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول فوت العدو الذي قصدته ففات منك بأن فر ظفر من وجه حيث فر منك فكأنك ظفرت به. وفيه أسف حين لم تدركه فتقتله وفي ضمن ذلك الأسف نعم حين لقيته دون القتال.
قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ وَاِصطَنَعَت لَكَ المَهابَةُ مالا تَصنَعُ البُهَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: أي خوف العدو منك ينوب عنك في شدة تأثيره فيهم فيصنع لك ما لا تصنعه فرسانك الشجعان والمعنى أن مهابتك في قلوب أعدائك أبلغ من رجالك وأبطالك الذين معك.
أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول لا يلزمك أن لا يستر عدوك مكان في الحرب عنك وأنت ألزمت نفسك هذا، تريد أن تظفر بهم إذا استتروا عنك في الهرب وأن يسترهم مكان.
أَكُلَّما رُمتَ جَيشاً فَاِنثَنى هَرَباً تَصَرَّفَت بِكَ في آثارِهِ الهِمَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول متى ما هزمت جيشاً حملتك همتك على اقتفائهم واقتفاء آثارهم. وهذا استفهام إنكار لأي لا تفعل هذا.
عَلَيكَ هَزمُهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ وَما عَلَيكَ بِهِم عارٌ إِذا اِنهَزَموا
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول عليك أن تهزمهم أن التقوا معك في ملتقى الحرب ولا عار عليك إذا انهزموا فتحصنوا بالهرب ولم تظفر بهم.
أَما تَرى ظَفَراً حُلواً سِوى ظَفَرٍ تَصافَحَت فيهِ بيضُ الهِندِ وَاللِمَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول لا يحلو لك الظفر ألا إذا ضربت رؤوسهم بالسيف والتقت سيوفكم مع شعورهم.
يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول أنت أعدل الناس إلا إذا عاملتني فإنك لست بعدل علي وخصامي وقع فيك وأنت الخصم الحاكم. يريد أنك ملك لا أحاكمك إلى غيرك لأن الخصام وقع فيك.
أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: الهاء في أعيذها راجعة إلى النظرات وأجاز مثله الأخفش لأنه أجاز في قوله تعالى فإنها لا تعمى الأبصار أن تكون الهاء عائدة على الأبصار وغيره من النحويين يقولون أنها إضمار على شريطة التفسير كأنه فسر الهاء بالنظرات والمعنى أنك إذا نظرت إلى عرفته على ما هو فنظراتك صادقة تصدقك ولا تغلط فيما تراه فلا تحسب الورم شحماً وهذا مثل يقول لا تظنن كل شاعر شاعراً.
وَما اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: إذا لم يميز الإنسان البصير بين النور والظلمة، فأي نفع له في بصره. أي يجب أن تميز بيني وبين غيري ممن لم يبلغ درجتي بما تميز بين النور والظلمة.
سيعلُم الجمعُ ممن ضمَّ مجلسُنا بأنني خيرُ من تسعى به قَدَمُ
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول الأعمى على فساد حاسة بصره أبصر أدبي وكذلك الأصم سمع شعري يعني أن شعره اشتهر وسار في البلاد حتى تحقق عند الأعمى والأصم أدبه وكأن الأعمى رآه لتحققه عنده وكأن الأصم سمعه.