يوم رائع وشمس مشرقة..... جو بديع.... كل شيء من حولي يغني وسعيد لسعادتي.... أسرعت إلى الدولاب أخرجت جميع ما بداخله... بحثت كثيراً وكثيراً وأخيراً وجدت ضالتي المنشودة... هذا هو لونه المفضل... كان يهوى أن يراني دائماً في اللون الوردي... أستطيع أن أتذكره وهو يناديني بالفراشة الصغيرة كلما ارتديت هذا اللون.... يااااه قد مرت سنوات وسنوات على هذه الأيام....
أذكر أول يوم رأيته فيه... شاب جميل لا يمكن لأية فتاة أن تقاوم جاذبيته... شعره الأسود الناعم المنساب بخفة على جبينه، عينيه العسليتين، لون بشرته القمحي، قوامه الرياضي، صوته الحنون المليء بالدفء.. كل شيء فيه كان رائعا.... وكنت أنا أيضاً من أحلى البنات في كليتنا، واستطعت أن أفوز بأعجابه ومن أول نظرة.... ومن يومها ونحن لا نفترق والكل يحسدنا على حبنا وتفاهمنا.. كان هو حبي الأول وكنت أنا أيضاً كذلك.... كان يشعر بالفخر عندما أخبره بأنه الحب الأول والأخير في حياتي وكنت أنا أشعر بالزهو والسعادة عندما يخبرني بأني أضأت له حياته وأن قلبه خلق لكي أسكن فيه وحدي ولا يمكن لأحد أن يأخذ مكاني مهما كان....
لا أستطيع أن أتخيل أنني في طريقي إليه الآن....... أشعر أن العربة تسير ببطء على غير العادة... مال جميع الناس يتزاحمون هكذا... أريد أن أجري... أن أسبق الزمن لكي ألقاه.... أريد أن أستعيد هذه الأيام... هذه الأيام....لا يمكن أن أنساها أبداً فهي محفورة في قلبي وعقلي... جزء لا يتجزء من مشاعري وإحساسي بالحياة.... آخر يوم رأيته فيه جلس يغني لي أحلى الكلمات.. لم يكن صوته جميلاً لدرجة الغناء ولكن فيه شيئا غريبا يجعل قلبي يرقص طرباً.. حين أسمعه يجعلني عند كل كلمة من كلامه أشعر بأنه يحتويني...
أخيراً وصلت إلى المبنى... بدأت أتساءل: هل ياترى سيتذكرني؟ لقد مضى 20 عاماً على فراقنا.... منذ دخل الجيش وأرغمني والدي على الزواج، ومنذ ذلك الوقت وأنا خارج البلاد ولم أعد إلى مصر إلا منذ أسابيع قليلة وكانت أسعد لحظات حياتي عندما رشحني أحد الأقارب للعمل عند حبي الأول لم أصدق عندما قرأت اسمه على الكارت... لا أنكر أن زوجي زوج مثالي... ولا أنكر أني أحبه ولكن رغم حبي له لم أستطع أن أنساه.. لم أستطع أن أنسى حبي الأول... كنت دائماً أسرق اللحظات التي تجمعني بصورته... آخر صورة له قبل دخوله الجيش.... كنت دائماً أنظر إلى هذه الصورة كلما اشتقت إلى الحب الأول، وأظل أحلم به وبشعره الأسود الناعم المنساب بخفة على جبينه، عينيه العسليتين، لون بشرته القمحي، قوامه الرياضي، صوته الحنون المليء بالدفء....
لا أستطيع أن أتخيل أنه الآن صاحب كل هذه الشركة لقد ذاع صيته في كل مكان... وأخيراً وصلت للمكتب... و.... ما كل هذه الضوضاء... أسمع أحد الأشخاص يصرخ.... لا أريد أي توتر... أريد أن أكون هادئة حين أراه.... ولكن لا.... لا أستطيع أن أتحمل صوت هذا الشخص الهمجي.... لا أستطيع أن أتحمل صوته وإهاناته للموظفين.... اهدئي لم يتبقَ إلا لحظات وتقابلي حبك الأول.... هل سيتذكرني؟؟؟ أتساءل ماذا سيكون رد فعله حين يراني..؟؟؟....
صوت السكرتيرة يدعوني للدخول لمقابلته.. قلبي يدق بشدة.. كل الأحداث تجري أمام عيني... صوته وهو يناديني بالفراشة الصغيرة.... آخر لقاء بيننا قبل دخوله الجيش... سرقة اللحظات التي تجمعني بصورته... شعره الأسود الناعم المنساب بخفة على جبينه، عينيه العسليتين، لون بشرته القمحي، قوامه الرياضي، صوته الحنون المليء بالدفء... هاهو الباب يفتح وأخيراً ها هو حبي الأول..
قابع على مكتبه ينحني على رزمة من الأوراق وقد تطاير تماماً شعره الأسود الناعم المنساب بخفة على جبينه ليقوم بلهفة ويقوم معه كرشه الذي تعداه بخمسة أمتار فينظر إلي من خلال نظارة "كعب كوباية" استطعت بصعوبة أن أرى من خلالها عينيه اللتين تحولتا من اللون العسلي إلى البياض، ويمد يده ويسلم علي.... لم أكن أتوقع أن يتذكرني بكل هذه السرعة... ولم أكن أتوقع أبداً أن أول سؤال يسأله لي هو "حضرتك مدام/......... اللي من طرف الباشا.......، أخباره إيه؟"
ولم أكن أتوقع إطلاقاً أن الصوت المليء بالدفء هو نفسه صوت الرجل الهمجي الذي سمعته منذ قليل....
لم أشعر بنفسي إلا وأنا أتراجع للخلف وأعتذر عن الوظيفة....
رغم ما حدث لا أستطيع حتى الآن أن أنسى هذا الحب الأول، ولكن ليس هذا الشخص الهمجي الذي رأيته وإنما ذلك الشخص الآخر الذي عرفته في أيام شبابي.. هذا الشاب صاحب الشعر الأسود الناعم المنساب بخفة على جبينه، عينيه العسليتين، لون بشرته القمحي، قوامه الرياضي، صوته الحنون المليء بالدفء....
