کلنا نتعرف علی الأشیاء عن طریق الحواس الخمسة ومن هنا جاء العلم لأننا تعرّفنا علی العلل والأسباب عن طریق حواسنا الخمسة، ولکن هذا العلم یحتاج إلی تجدید من فترة لأخری لأن احتمال الخطأ موجود ولا مکان للجزم فیه.
العرفان هو الوصول إلی المعرفة (لیس العلم) دون اللجوء إلی الحواس الخمسة والذي یسمى في عالم العرفان بالإشراق أو درس الحقیقة والفرق هو أن هذا العرفان لا یأتي بالتعلیم بل یحدث بعد أن تتبع تعالیم خاصة للتعرف علی الحواس التي لم تتعرف علیها من قبل.
العرفان هو کالفن، یعني یمکن لملایین النّاس أن یتعلموا العزف علی آلات موسیقیة أو الرسم ولکن من کلّ هؤلاء واحد منهم یصبح بیتهوفن أو بیکاسو... السؤال هو هل یمکن أن نسلك طریق العرفان ولا نصل للمعرفة؟ الجواب هو نعم..... لأن هذا الطریق یحتاج إلی صبر ومثابرة کبیرة.
جلال الدین الرومي یقول: إذا لم تستطع أن تحصل علی کلّ البحر یکفي أن تتذوق قطرة منه....
العرفان مثل الذهاب للمدرسة یعني یجب أن تدخل مراحلها من الصف الأول وتستمر إلی المتوسطة والإعدادیة ومن ثمّ الجامعة، ولا یمکنك أن تکون في الإبتدائیة وتأخذ دروس جامعیة وحتی لوأخذتها لن تستطیع أن تستوعبها لأنك لن تصل إلی الدرك الحقیقي إلا إذا أکملت المراحل کلها. والعکس صحیح إذا دخلت هذه المدرسة لا یمکنك أن تترکها لأنك حتی إذا ترکتها لا تستطیع أن ترجع وتکون نفس الشخص الذی کنت علیه من قبل لأنك تتحول من الجذور.
إذن دخول هذه المدرسة هو تحدي لنفسك وللعالم وإذا رأیت نفسك لا تستطیع أن تحمل هذه الأمانة... لا تدخلها.
ما هوالفرق بین العرفان والتصوف؟
العرفان في الإسلام هو التصوف بمعنی أن العارفین في المسیحیة أوالیهودیة هم لیسوا صوفیین.
منذ بدء الإسلام کان النبيّ محمّد (ص) یعطي دروس لنخبة خاصة من المسلمین الذین کانوا یختلفون عن عامة المسلمین وهذه الدروس کانت الخطوات الأولی للعرفان أو مدرسة الصوفیة.
من أهم أصول التصوف في الإسلام هي أن یکون عندك مرشد حتی تتبع التعالیم ویقف هو إلی جانبك في المحن التي ستواجهها.
النبيّ محمّد (ص) جعل الإمام عليّ (ع) وليّ علی المسلمین في آخر خطبة له لأن الإمام عليّ (ع) کان من التلامیذ المتفوقین في هذا الطریق. الإمام عليّ کان المرید الأول للنبيّ وکان عنده ولاء عظیم بالنسبة له في کلّ شيء حتی في الأکل کان یسأل إذا النبيّ أکل من شيء فیقول: سألحق به..... هذا من الولاء الشدید الذي کان عنده
الولایة هي أبعد من الخلافة ولکن جهل النّاس لا یستطیع أن یستوعب ما قاله النبيّ، في الحقیقة الخلیفة نفسه یجب أن یکون عنده الولاء للولي ولهذا لم یقاتل الإمام عليّ ولم یختلف مع أبو بکر وعمر وعثمان علیهم السلام، لأنه کان الولي وهم یکنون له الولاء.... وکانوا یستشیرونه في کلّ شيء وحین اختاروه للخلافة وظهر البعض للمعارضة قاتلهم وحاربهم لأن الخلافة في هذه المرحلة کانت من حقه والمسلمین بایعوه وأکید الإمام عليّ (ع) لن یسمح لأحد أن یضیع حقه.. إذن الولاء للمرشد يعتبر ثقة عمیاء لا جدل فیها.
في فترة زمنیة أدخل بعض الشیوخ قواعد صعبة وصارمة للمرید مثل الزهد والعزلة ولکن لا أساس لها في الإسلام أو العرفان الإسلامي ولهذا نحن أیضاً لا نتبعها هنا.
علی کلّ حال التصوف یعني الصفاء في الفکر والجسم والروح وأن تحس السعادة الداخلیة، وتذکر دائماً إذا لم تتعلم الحروف في الصفوف الإبتدائیة لا تستطیع أن تستمر في الصفوف الأخری وهکذا في العرفان المراحل الأولی مهمة جداً لأنك ستبني باقي الخطوات علیها....